منوعات تعجبكم=أثر تحريم البدع في الإسلام
ولقد كان الإسلام
حكيما غاية الحكمة حين حرم ـ أشد
التحريم ـ على البشر أن يشرعوا
في الدين ما لم يأذن به الله، وأن
يبتدعوا صورا للتقرب إلى الله لم
يجئ بها وحيه المعصوم، حتى أعلن
في صراحة قاطعة: أن كل بدعة
ضلالة، وكل ضلالة في النار.
والذي يقرأ تاريخ
الأديان يرى الحكمة في هذا
التشديد ماثلة للعيان، واضحة
وضوح الصبح لذي العينين.
إن الابتداع في
الدين هو الكوة التي تسلل منها
الشيطان إلى عامة المتدينين من
اتباع الملل، فأفسد عليهم دينهم
وحياتهم، وخرب عليهم عقائدهم
وعباداتهم، ولم يدع في حياتهم
الدينية دعامة إلا أتى عليها من
القواعد، وفتح عليهم أبوابا من
الفساد لم يستطيعوا بعد إغلاقها.
عن طريق الابتداع
زحف الشرك ودخلت الوثنية على
الأمم، حتى الكتابية منها،
فأشركوا بالله ما لم ينزل به
سلطانا، وعبدوا من دون الله ما
لا يضرهم ولا ينفعهم، قائلين:
هؤلاء شفعاؤنا عند الله!
وعن طريق الابتداع
جاء الغلو في الدين والتنطع فيه،
وإدخال الحرج والعنت والآصار
والأغلال على أتباعه، واخترع
الناس ألوانا شتى من الشعائر
والتعبدات، كلها عنت وإرهاق،
وتكليف ما لا يكاد يطاق.
وعن طريق الابتداع
حرم الغلاة ما أحل الله من
الزينة والطيبات، فأهملوا
الدنيا باسم الدين، وخربوا
العمران بدعوى الإيمان، وعذبوا
الأجسام بزعم تصفية الأرواح!
وعن طريق الابتداع
حدثت التحريفات الهائلة،
والانحرافات الشنيعة في كثير من
الأديان، وقع فيها رجال ضل سعيهم
في الحياة الدنيا وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا.
ويكفي أن نتأمل ما
ابتدعه النصارى من نظام
"الرهبانية" وما فيه من غلو
وعتو وقسوة على الطبيعة، وشرود
عن الفطرة، لنعلم كيف ينحرف
العقل البشري إذا مشى وحده، ولم
يعتصم بحبل الله، ولم يستضئ
بنوره وهداه، وكيف يجور ويعتسف،
ويرتكب أكبر الحماقات
والجهالات، مع أن قصده ونيته ـ
فيما يحسب ـ التقرب إلى الله
تعالى؟!
وكذلك نرى مشركي
العرب كيف اتخذوا الأوثان
وعبدوا الأحجار والأصنام،
لتقربهم إلى الله زلفى، فأساس
الشرك في الحقيقة هو الابتداع.
وكيف سولت لهم
شياطينهم تحريم ما أحل الله من
طيبات الحرث والأنعام؟ بل كيف
زينوا لهم ذبح أولادهم وفلذات
أكبادهم، تقربا إلى الآلهة فيما
زعموا، ليردوهم وليلبسوا عليهم
دينهم!
وكيف طوعت لهم
أنفسهم أن يطوفوا بالبيت عراة،
كما ولدتهم أمهاتهم، رجالا
ونساء، لا يستحيون ولا يتحرجون.
وكيف وهم بعملهم هذا ـ في زعمهم ـ
إلى الله يتقربون؟!
تقرأ في سورة
الأنعام نماذج من هذه المبتدعات
والتحريمات في قول الله تعالى:
(وكذلك زين لكثير من المشركين
قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم
وليلبسوا عليهم دينهم، ولو شاء
الله ما فعلوه، فذرهم وما
يفترون، وقالوا هذه أنعام وحرث
حجر، لا يطعمها إلا من نشاء
بزعمهم، وأنعام حرمت ظهورها
وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها
افتراء عليه، سيجزيهم بما كانوا
يفترون، وقالوا ما في بطون هذه
الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم
على أزواجنا، وإن يكن ميتة فهم
فيه شركاء، سيجزيهم وصفهم أنه
حكيم عليم، قد خسر الذين قتلوا
أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما
رزقهم الله افتراء على الله قد
ضلوا وما كانوا مهتدين).
إن مجال الابتداع
والابتكار ليس هو الدين، فالدين
توقيف من الله يجب أن يبقى مصونا
منزها عن عبث العابثين وتحريف
الغالين، وانتحال المبطلين،
وتأويل الجاهلين.
أما مجال الابتداع
الحقيقي، فهو الدنيا وشؤونها،
وما أوسعها وما أكثر ما تحتاج
إليه من طاقات الافتنان
والابتكار، ولهذا حين انتكس
المسلمون وساءت حالهم، وفسد
أمرهم، وانحل مجتمعهم، أصبح
الأمر الطبيعي عندهم معكوسا
والوضع مقلوبا، فوقفوا في شؤون
الدنيا جامدين كالحجارة أو أشد
جمودا، لا يبتكرون ولا يخترعون
ولا يكتشفون، شعارهم: ما ترك
الأول للآخر شيئا!!
وأما في الدين
فاخترعوا وابتدعوا من صور
التعبد ما لم يأذن به الله ولم
يتنزل به سلطانا.
تعليقات
إرسال تعليق