((اللهم استعملنا لخدمه هذا الدين العظيم))-انا اكتر واحد بحب ربنا -إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"
الله سبحانه وتعالى لا يتعامل معنا بالشكليات ولا المسميات .. الله يتعامل
معنا بالقلوب والأعمال . قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينظر إلى
صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" . لذا فالله
سبحانه وتعالى يحاسب كل الناس منذ سيدنا آدم إلى أن يرث الأرض ومن عليها
بقلوبهم وأعمالهم .. مهما كانت مسمياتهم وال...شعارات التي يرفعونها أو الصور التي يبدون عليها .
من المعلومات الأساسية التي كنا ندرسها في الأزهر أن القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان ، وأن الله سبحانه وتعالى كلامه ثابت لا يتغير وأن ما قضاه الله صالح لكل زمان ومكان . صالح قبل خلق الأرض ، وصالح يوم انتهاء الأرض وصالح فيما بينهما ، وهذه قاعدة هامة بديهية ، ورغم بداهتها يغفل عنها الكثير في تحليلهم وتفسيرهم للقرآن الكريم .
معنى الدين عند الله
"""""""""""""""""
ومن أمثلة ما قضاه الله والذي لا يمكن أن يتغير : عبادته ، فقضى الله ألا نعبد إلا إياه ، وبالوالدين إحسانا ، قال تعالى في سورة الإسراء "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعۡبُدُوا۟ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالۡوَالِدَيۡنِ إِحۡسَانًا" وهذا القضاء قبل خلق البشر ومستمر لنهاية الكون ، لا يمكن أن يتغير ، ومن الأمثلة الأخرى الدين ، فالدين عند الله هو الإسلام هذا قضاء الله ، لا يتغير ولن يتغير .
يقول الله تعالى في سورة آل عمران : "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسۡلاَمُ" وطبقا لهذه القاعدة فالدين عند الله الإسلام قبل خلقة آدم وأثناء تواجد البشر على الأرض وبعد انتهاء الدنيا كذلك . لذا من المجحف بل من الخطأ أن نقول أن الدين عند الله الإسلام منذ بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وحتى يوم القيامة . لكن الصحيح أن الدين عند الله الإسلام قبل خلق البشر أساسا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
هذا ما جعل العلماء يبحثون ويمحصون في معنى كلمة الإسلام ، هل هي التفصيلات والتشريعات الموجودة في الشريعة الإسلامية ، أم أن الله يقصد بكلمة الإسلام شيئا آخر .. فاجتمعوا أن كلمة الإسلام معناها "أن يسلم الإنسان وجهه لله سبحانه وتعالى" وهذا هو معنى الإسلام فآدم أسلم وجهه لله ، وكل الأنبياء كذلك أسلموا وجههم لله . وكل البشر أيضا مطالبين بذلك ، لذلك لن يرضى الله سبحانه وتعالى من أي مخلوق غير هذا الإسلام .
ولذلك قال تعالى "وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ الإِسۡلاَمِ دِينًا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الۡخَاسِرِينَ" ، وهذه الآية أيضا تنطبق على كل البشر منذ آدم وحتى آخر بشري على وجه الأرض .
ثم توقفوا أيضا عند كلمة الدين ، فهل معناها الديانة ، أم أن الدين له معنى والديانة لها معنى آخر .. كيف يكون الدين عند الله الإسلام ، وسيدنا موسى كان يهوديا ،، فقضاء الله لا يمكن أن يتغير ،، إذن الدين معناه مختلف عن الديانة ، فخلصوا إلى هذه النتيجة : الدين عند الله الإسلام ، والإسلام أن تسلم وجهك لله ،، لكن الديانات اختلفت في شكل هذا الإسلام .
وعلى هذا فالأنبياء الأول (آدم وشيت ونوح وسام بن نوح وادريس ويحيى بن زكريا) كان دينهم الإسلام وديانتهم هي التعاليم التي نزلت في أول كتاب سماوي والذي يسميه العلماء (الجنزاريا أو الكنز العظيم) وهو أول وأقدم كتاب سماوي وأشار إليه القرآن في سورة مريم "يا يحيى خذْ الكتابَ بقوّةْ وآتيناهُ الحُكمَ صبيّاً" .
وسيدنا إبراهيم كان دينه الإسلام وديانته هي التعاليم الموجودة في صحف إبراهيم ،، ولأنها لم تكن ضمن كتاب فبعض العلماء لا يدرجها ضمن كتب وإنما صحف ، كصحف موسى أيضا .
وسيدنا داود دينه الإسلام وديانته هي تعاليم الزبور وهو ثاني الكتب السماوية ، وسيدنا موسى دينه الإسلام وديانته التعاليم الموجودة في التوراة وهو ثالث الكتب السماوية وسميت الديانة بإسم اليهودية ويطلق على التوراة (العهد القديم) ، وسيدنا عيسى دينه الإسلام وديانته التعاليم الموجودة في الإنجيل والذي يعتبر رابع الكتب السماوية ومتمما للتوراة ويطلق عليه (العهد الجديد) ويشمل التوراة والإنجيل ، وسميت الديانة المسيحية كما تسمى اليوم أو النصرانية كما يسميها القرآن ،
لذا كل الأنبياء السابقين كان دينهم الإسلام ، مع اختلاف دياناتهم في شرح هذا الدين ، وفي هذا ذكر القرآن دلائل واضحة :
سورة البقرة : متحدثا عن سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل
"رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةًۭ مُّسْلِمَةًۭ لَّكَ"
وقال عنه أيضا :
"إِذْ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ * وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَٰهِۦمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"
وقال في سورة البقرة متحدثا عن يعقوب وبنيه :
"أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ الۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِن بَعۡدِى قَالُوا۟ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبۡرَاهِيمَ وَإِسۡمَاعِيلَ وَإِسۡحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحۡنُ لَهُ مُسۡلِمُونَ"
وقال أيضا في نفس السورة :
"قُولُوا۟ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبۡرَاهِيمَ وَإِسۡمَاعِيلَ وَإِسۡحَقَ وَيَعۡقُوبَ وَالأسۡبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لاَ نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٍ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُ مُسۡلِمُونَ"
ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد ، أن يطلب من كل الديانات السماوية أن تسلم وجهها لله ، هذا هو الشرط الوحيد كي يكونوا ناجين من الناس ، وضامنين للجنة .
قال تعالى في سورة آل عمران :
"فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ الۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِى إِلَى اللّهِ قَالَ الۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ"
أما سيدنا محمد فدينه الإسلام ، وديانته هي التعاليم التي جاءت في القرآن وهو خامس الكتب السماوية ويطرق عليه (العهد الأخير) وهو يؤيد كل الكتب السماوية السابقة ويتمم بها الدين ، وبعد أن تم الدين الذي ارتضاه الله للناس ، سمى آخر ديانة بإسم الدين وهو الإسلام ، لذا فدين سيدنا محمد الإسلام وديانته الإسلام . وهنا اكتمل الدين .
لذا أمر الله رسوله محمد عليه الصلاة والسلام أن يطلب من كل أصحاب الديانات وأصحاب الكتب السماوية أن يحافظوا على الدين وأن
يكونوا مسلمين لله الواحد فقط ولا يتولوا عن هذا الشرط الوحيد
قال تعالى في سورة آل عمران:
"فَإنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِىَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوۡتُوا۟ الۡكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسۡلَمۡتُمۡ فَإِنۡ أَسۡلَمُوا۟ فَقَدِ اهۡتَدَوا۟ وَّإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ الۡبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالۡعِبَادِ"
وأمر الله سيدنا محمد أيضا أن لا يختلف مع الديانات الأخرى وإنما يتوافق معهم على المبدأ الأساسي في كل الديانات وهو الإسلام لله وقال له في سورة آل عمران :
"قُلۡ يَآأَهۡلَ الۡكِتَابِ تَعَالَوۡا۟ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلاَّ نَعۡبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشۡرِكَ بِهِ شَيۡئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضاً أَرۡبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُولُوا۟ اشۡهَدُوا۟ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ"
فالهدف من كل الديانات ، أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ولا نتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ،، هذا هو الشرط الوحيد لكي يكون الإنسان مسلما لله ، متبعا لأي ديانة .
وخاطب الله كل الديانات في العالم وقال لهم في سورة الإسراء :
"وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُ لله وَهُوَ مُحۡسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبۡرَاهِيمَ خَلِيلاً"
الحكمة من تعدد الديانات
""""""""""""""""""""""
لأن الله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين ، وقال في كتابه : " وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ " ولأن الله لا يريد لهم أن يكونوا أمة واحدة ، فكان لابد أن يضع لهم اختلافا في المنهج الذي يوصل لهذا الدين ، فأنزل الأنبياء كل واحد منهم بمنهج مختلف وكلهم يوصلون لهذا الدين وهو الإسلام لله ، لكن بأشكال ومنهجية مختلفة متدرجة في التعمق تتناسب مع اختلاف البشر لكي يحدث التنافس .
لهذا فالشرط الوحيد لدخول الجنة هو "الإسلام لله" ،وهو الدين، ثم درجات الجنة من الداخل يزداد فيها المرء وينقص بحسب المنهج الذي يتبعه والديانة التي يتبعها . وفي هذا تحدث المنافسة والتفاضل ، بالقلوب والأفعال لا بالمسميات ، وسوف ينبئنا الله بهذا الخلاف يوم القيامة .
ولهذا لن يكون في النار مخلوق واحد يعلم أن الله لا إله إلا هو .. مهما كانت ديانته أو منهجه ، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم من حديث أنس "يقول الله : أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله , وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة . أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله , وفي قلبه من الخير ما يزن برة , أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله , وفي قلبه من الخير ما يزن دودة , أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله , وفي قلبه من الخير ما يزن ذرة"
وفي هذا قال سيدنا محمد لمعاذ ابن جبل في الحديث الصحيح الشهير "قال : بشر الناس – أو قال أنذر الناس – من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" ، من هنا نستنبط أن شرط دخول الجنة هو أن تكون مسلما بأن هناك إله واحد يحكم هذا الكون . هذا هو الشرط الوحيد لدخول الجنة .
التكبر والتعالي
"""""""""""""
الكبر والتعالي هو الذي أخرج إبليس من رحمة الله وبسببه لعنه الله ، لذا كانت هذه الصفات هي مدخل إبليس ولعبته في محاربة الكتب السماوية وأتباع الكتب السماوية ، فكان دائما يشعر أصحاب كل كتاب بأنهم هم المصطفين الأخيار ليتكبروا ويتعالوا بأنهم هم الوحيدون الذين سيدخلون الجنة لكي يشفي كبرهم ويجعلهم يتمايزون ويتعالون على غيرهم من الأمم والديانات بهذا الاصطفاء الرباني .
ونجح إبليس في ذلك فبدأ أصحاب الديانات في التعالي ، اليهود يقولون لن يدخل الجنة إلا اليهود .. ثم النصارى يقولون لن يدخل الجنة إلا النصارى .. فجاء القرآن ليحسم هذا الكبر والتعالي وقال لهم بوضوح شديد في سورة البقرة : "
وَقَالُوا۟ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَٰرَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا۟ بُرْهَٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ * بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌۭ فَلَهُۥٓ أَجْرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" ..
هذا ما تتمنوه ،، ليست الجنة بالتعالي والكبر ولا بالمسميات (يهودي ، نصراني ، مسلم ، مسيحي ، إلخ) وإنما الجنة بالقلوب والأعمال .. ولن يدخلها إلا من أسلم وجهه لله وهو محسن ، فله أجره عند ربه ولا خوف عليه ولا يحزن ..
واليوم يكرر المسلمون أيضا نفس الخطأ النفسي الذي وقع فيه بعض أصحاب الكتب السماوية الأخرى ، ولعب الشيطان معهم نفس اللعبة ، فبدأوا يقولون : لن يدخل الجنة إلا من كان مسلما ، وهذا في حد ذاته يشعر المسلم بالتعالي والكبر على خيره ، ويدفعه تلقائيا للتعامل معه بدونية وهنا المصيبة التي يريد الشيطان أن يؤقع فيها الشخص ، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستنفر الناس كلها من الدين بالعند والمكابرة أيضا ، لذا عندما تجد أحدا يقول : لن يدخل الجنة إلا المسلمون ، فقل له كما علمك القرآن ، قل هات دليلك وبرهانك إن كنت صادق .. بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .. وصدقوني ، لن تجدوا دليلا واحدا من القرآن أو السنة يقول إنه لن يدخل الجنة إلا المسلمون وأصحاب الديانة الإسلامية فقط ،، قدت تجد كلام علماء كثير ،، وفي هذا سأتحدث بالتفصيل لاحقا ،،
الله يتعامل بإسلام القلب والإحسان مهما كانت الديانة ، وهذا شرط دخول الجنة . ولا ينظر إلى المسميات ، فهناك بعض المسلمين اليوم لن يدخلون الجنة لأنهم في العمق لا يؤمنون بالله ولا يعيرونه انتباها ولا حتى يعمل لآخرته . حتى لو اسمه مسلما ، قد لا يدخل الجنة ، فالعبرة باليقين بالقلب ثم يتبعه العمل وليس بالقول باللسان والتعالي بالمسميات والشكليات ، هو يقول لا إله إلا الله ، لكنه لا يستشعرها لا يعمل بها ، لا يتبع قول الله ، وإنما يتبع هواه .
أكمل هذا البحث المفصل في هذا الموضوع الشائك كلما سنح لي الوقت ،، أرحب بالتساؤلات والنقاش طالما في إطار روح نقاش
وتبين راقية يرضى عنها رب العباد سبحانه وتعالى . دعواتكم أن يرزقني الله الوقت للإكمال
من المعلومات الأساسية التي كنا ندرسها في الأزهر أن القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان ، وأن الله سبحانه وتعالى كلامه ثابت لا يتغير وأن ما قضاه الله صالح لكل زمان ومكان . صالح قبل خلق الأرض ، وصالح يوم انتهاء الأرض وصالح فيما بينهما ، وهذه قاعدة هامة بديهية ، ورغم بداهتها يغفل عنها الكثير في تحليلهم وتفسيرهم للقرآن الكريم .
معنى الدين عند الله
"""""""""""""""""
ومن أمثلة ما قضاه الله والذي لا يمكن أن يتغير : عبادته ، فقضى الله ألا نعبد إلا إياه ، وبالوالدين إحسانا ، قال تعالى في سورة الإسراء "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعۡبُدُوا۟ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالۡوَالِدَيۡنِ إِحۡسَانًا" وهذا القضاء قبل خلق البشر ومستمر لنهاية الكون ، لا يمكن أن يتغير ، ومن الأمثلة الأخرى الدين ، فالدين عند الله هو الإسلام هذا قضاء الله ، لا يتغير ولن يتغير .
يقول الله تعالى في سورة آل عمران : "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسۡلاَمُ" وطبقا لهذه القاعدة فالدين عند الله الإسلام قبل خلقة آدم وأثناء تواجد البشر على الأرض وبعد انتهاء الدنيا كذلك . لذا من المجحف بل من الخطأ أن نقول أن الدين عند الله الإسلام منذ بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وحتى يوم القيامة . لكن الصحيح أن الدين عند الله الإسلام قبل خلق البشر أساسا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
هذا ما جعل العلماء يبحثون ويمحصون في معنى كلمة الإسلام ، هل هي التفصيلات والتشريعات الموجودة في الشريعة الإسلامية ، أم أن الله يقصد بكلمة الإسلام شيئا آخر .. فاجتمعوا أن كلمة الإسلام معناها "أن يسلم الإنسان وجهه لله سبحانه وتعالى" وهذا هو معنى الإسلام فآدم أسلم وجهه لله ، وكل الأنبياء كذلك أسلموا وجههم لله . وكل البشر أيضا مطالبين بذلك ، لذلك لن يرضى الله سبحانه وتعالى من أي مخلوق غير هذا الإسلام .
ولذلك قال تعالى "وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ الإِسۡلاَمِ دِينًا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الۡخَاسِرِينَ" ، وهذه الآية أيضا تنطبق على كل البشر منذ آدم وحتى آخر بشري على وجه الأرض .
ثم توقفوا أيضا عند كلمة الدين ، فهل معناها الديانة ، أم أن الدين له معنى والديانة لها معنى آخر .. كيف يكون الدين عند الله الإسلام ، وسيدنا موسى كان يهوديا ،، فقضاء الله لا يمكن أن يتغير ،، إذن الدين معناه مختلف عن الديانة ، فخلصوا إلى هذه النتيجة : الدين عند الله الإسلام ، والإسلام أن تسلم وجهك لله ،، لكن الديانات اختلفت في شكل هذا الإسلام .
وعلى هذا فالأنبياء الأول (آدم وشيت ونوح وسام بن نوح وادريس ويحيى بن زكريا) كان دينهم الإسلام وديانتهم هي التعاليم التي نزلت في أول كتاب سماوي والذي يسميه العلماء (الجنزاريا أو الكنز العظيم) وهو أول وأقدم كتاب سماوي وأشار إليه القرآن في سورة مريم "يا يحيى خذْ الكتابَ بقوّةْ وآتيناهُ الحُكمَ صبيّاً" .
وسيدنا إبراهيم كان دينه الإسلام وديانته هي التعاليم الموجودة في صحف إبراهيم ،، ولأنها لم تكن ضمن كتاب فبعض العلماء لا يدرجها ضمن كتب وإنما صحف ، كصحف موسى أيضا .
وسيدنا داود دينه الإسلام وديانته هي تعاليم الزبور وهو ثاني الكتب السماوية ، وسيدنا موسى دينه الإسلام وديانته التعاليم الموجودة في التوراة وهو ثالث الكتب السماوية وسميت الديانة بإسم اليهودية ويطلق على التوراة (العهد القديم) ، وسيدنا عيسى دينه الإسلام وديانته التعاليم الموجودة في الإنجيل والذي يعتبر رابع الكتب السماوية ومتمما للتوراة ويطلق عليه (العهد الجديد) ويشمل التوراة والإنجيل ، وسميت الديانة المسيحية كما تسمى اليوم أو النصرانية كما يسميها القرآن ،
لذا كل الأنبياء السابقين كان دينهم الإسلام ، مع اختلاف دياناتهم في شرح هذا الدين ، وفي هذا ذكر القرآن دلائل واضحة :
سورة البقرة : متحدثا عن سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل
"رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةًۭ مُّسْلِمَةًۭ لَّكَ"
وقال عنه أيضا :
"إِذْ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ * وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَٰهِۦمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"
وقال في سورة البقرة متحدثا عن يعقوب وبنيه :
"أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ الۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِن بَعۡدِى قَالُوا۟ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبۡرَاهِيمَ وَإِسۡمَاعِيلَ وَإِسۡحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحۡنُ لَهُ مُسۡلِمُونَ"
وقال أيضا في نفس السورة :
"قُولُوا۟ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبۡرَاهِيمَ وَإِسۡمَاعِيلَ وَإِسۡحَقَ وَيَعۡقُوبَ وَالأسۡبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لاَ نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٍ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُ مُسۡلِمُونَ"
ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد ، أن يطلب من كل الديانات السماوية أن تسلم وجهها لله ، هذا هو الشرط الوحيد كي يكونوا ناجين من الناس ، وضامنين للجنة .
قال تعالى في سورة آل عمران :
"فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ الۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِى إِلَى اللّهِ قَالَ الۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ"
أما سيدنا محمد فدينه الإسلام ، وديانته هي التعاليم التي جاءت في القرآن وهو خامس الكتب السماوية ويطرق عليه (العهد الأخير) وهو يؤيد كل الكتب السماوية السابقة ويتمم بها الدين ، وبعد أن تم الدين الذي ارتضاه الله للناس ، سمى آخر ديانة بإسم الدين وهو الإسلام ، لذا فدين سيدنا محمد الإسلام وديانته الإسلام . وهنا اكتمل الدين .
لذا أمر الله رسوله محمد عليه الصلاة والسلام أن يطلب من كل أصحاب الديانات وأصحاب الكتب السماوية أن يحافظوا على الدين وأن
يكونوا مسلمين لله الواحد فقط ولا يتولوا عن هذا الشرط الوحيد
قال تعالى في سورة آل عمران:
"فَإنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِىَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوۡتُوا۟ الۡكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسۡلَمۡتُمۡ فَإِنۡ أَسۡلَمُوا۟ فَقَدِ اهۡتَدَوا۟ وَّإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ الۡبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالۡعِبَادِ"
وأمر الله سيدنا محمد أيضا أن لا يختلف مع الديانات الأخرى وإنما يتوافق معهم على المبدأ الأساسي في كل الديانات وهو الإسلام لله وقال له في سورة آل عمران :
"قُلۡ يَآأَهۡلَ الۡكِتَابِ تَعَالَوۡا۟ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلاَّ نَعۡبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشۡرِكَ بِهِ شَيۡئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضاً أَرۡبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُولُوا۟ اشۡهَدُوا۟ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ"
فالهدف من كل الديانات ، أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ولا نتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ،، هذا هو الشرط الوحيد لكي يكون الإنسان مسلما لله ، متبعا لأي ديانة .
وخاطب الله كل الديانات في العالم وقال لهم في سورة الإسراء :
"وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُ لله وَهُوَ مُحۡسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبۡرَاهِيمَ خَلِيلاً"
الحكمة من تعدد الديانات
""""""""""""""""""""""
لأن الله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين ، وقال في كتابه : " وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ " ولأن الله لا يريد لهم أن يكونوا أمة واحدة ، فكان لابد أن يضع لهم اختلافا في المنهج الذي يوصل لهذا الدين ، فأنزل الأنبياء كل واحد منهم بمنهج مختلف وكلهم يوصلون لهذا الدين وهو الإسلام لله ، لكن بأشكال ومنهجية مختلفة متدرجة في التعمق تتناسب مع اختلاف البشر لكي يحدث التنافس .
لهذا فالشرط الوحيد لدخول الجنة هو "الإسلام لله" ،وهو الدين، ثم درجات الجنة من الداخل يزداد فيها المرء وينقص بحسب المنهج الذي يتبعه والديانة التي يتبعها . وفي هذا تحدث المنافسة والتفاضل ، بالقلوب والأفعال لا بالمسميات ، وسوف ينبئنا الله بهذا الخلاف يوم القيامة .
ولهذا لن يكون في النار مخلوق واحد يعلم أن الله لا إله إلا هو .. مهما كانت ديانته أو منهجه ، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم من حديث أنس "يقول الله : أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله , وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة . أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله , وفي قلبه من الخير ما يزن برة , أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله , وفي قلبه من الخير ما يزن دودة , أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله , وفي قلبه من الخير ما يزن ذرة"
وفي هذا قال سيدنا محمد لمعاذ ابن جبل في الحديث الصحيح الشهير "قال : بشر الناس – أو قال أنذر الناس – من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" ، من هنا نستنبط أن شرط دخول الجنة هو أن تكون مسلما بأن هناك إله واحد يحكم هذا الكون . هذا هو الشرط الوحيد لدخول الجنة .
التكبر والتعالي
"""""""""""""
الكبر والتعالي هو الذي أخرج إبليس من رحمة الله وبسببه لعنه الله ، لذا كانت هذه الصفات هي مدخل إبليس ولعبته في محاربة الكتب السماوية وأتباع الكتب السماوية ، فكان دائما يشعر أصحاب كل كتاب بأنهم هم المصطفين الأخيار ليتكبروا ويتعالوا بأنهم هم الوحيدون الذين سيدخلون الجنة لكي يشفي كبرهم ويجعلهم يتمايزون ويتعالون على غيرهم من الأمم والديانات بهذا الاصطفاء الرباني .
ونجح إبليس في ذلك فبدأ أصحاب الديانات في التعالي ، اليهود يقولون لن يدخل الجنة إلا اليهود .. ثم النصارى يقولون لن يدخل الجنة إلا النصارى .. فجاء القرآن ليحسم هذا الكبر والتعالي وقال لهم بوضوح شديد في سورة البقرة : "
وَقَالُوا۟ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَٰرَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا۟ بُرْهَٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ * بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌۭ فَلَهُۥٓ أَجْرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" ..
هذا ما تتمنوه ،، ليست الجنة بالتعالي والكبر ولا بالمسميات (يهودي ، نصراني ، مسلم ، مسيحي ، إلخ) وإنما الجنة بالقلوب والأعمال .. ولن يدخلها إلا من أسلم وجهه لله وهو محسن ، فله أجره عند ربه ولا خوف عليه ولا يحزن ..
واليوم يكرر المسلمون أيضا نفس الخطأ النفسي الذي وقع فيه بعض أصحاب الكتب السماوية الأخرى ، ولعب الشيطان معهم نفس اللعبة ، فبدأوا يقولون : لن يدخل الجنة إلا من كان مسلما ، وهذا في حد ذاته يشعر المسلم بالتعالي والكبر على خيره ، ويدفعه تلقائيا للتعامل معه بدونية وهنا المصيبة التي يريد الشيطان أن يؤقع فيها الشخص ، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستنفر الناس كلها من الدين بالعند والمكابرة أيضا ، لذا عندما تجد أحدا يقول : لن يدخل الجنة إلا المسلمون ، فقل له كما علمك القرآن ، قل هات دليلك وبرهانك إن كنت صادق .. بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .. وصدقوني ، لن تجدوا دليلا واحدا من القرآن أو السنة يقول إنه لن يدخل الجنة إلا المسلمون وأصحاب الديانة الإسلامية فقط ،، قدت تجد كلام علماء كثير ،، وفي هذا سأتحدث بالتفصيل لاحقا ،،
الله يتعامل بإسلام القلب والإحسان مهما كانت الديانة ، وهذا شرط دخول الجنة . ولا ينظر إلى المسميات ، فهناك بعض المسلمين اليوم لن يدخلون الجنة لأنهم في العمق لا يؤمنون بالله ولا يعيرونه انتباها ولا حتى يعمل لآخرته . حتى لو اسمه مسلما ، قد لا يدخل الجنة ، فالعبرة باليقين بالقلب ثم يتبعه العمل وليس بالقول باللسان والتعالي بالمسميات والشكليات ، هو يقول لا إله إلا الله ، لكنه لا يستشعرها لا يعمل بها ، لا يتبع قول الله ، وإنما يتبع هواه .
أكمل هذا البحث المفصل في هذا الموضوع الشائك كلما سنح لي الوقت ،، أرحب بالتساؤلات والنقاش طالما في إطار روح نقاش
وتبين راقية يرضى عنها رب العباد سبحانه وتعالى . دعواتكم أن يرزقني الله الوقت للإكمال
تعليقات
إرسال تعليق